الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيَّده بعضُهم فقال: في رأسِه نارٌ مِنْ غيرِ لَهَبٍ. قال ابن مقبل: الخَوَّارُ: الذي يتقصَّفُ. والدَّعِرُ: الذي فيه لَهَبٌ، وقد وَرَدَ ما يقتضي وجودَ اللهبِ فيه. قال الشاعر: وقيل: الجَذْوَة: العُوْدُ الغليظُ سواءً كان في رأسه نارٌ أم لم يكنْ، وليس المرادُ هنا إلاَّ ما في رأسِه نارٌ.قوله: {مِّنَ النار} صفةٌ ل {جَذْوَةٍ} ولا يجوزُ تَعَلُّقها بآتِيْكُمْ كما تَعَلَّق به منها؛ لأنَّ هذه النارَ ليسَتْ النارَ المذكورةَ، والعربُ إذا تقدَّمَتْ نكرةٌ وأرادَتْ إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً، أو معرَّفَةً ب أل العهديةِ، وقد جُمِع الأمران هنا.قوله: {مِن شَاطِىءِ} {مِنْ} لابتداءِ الغايةِ. والأَيْمن صفةٌ للشاطىء أو للوادي. والأَيمن من اليُمْن وهو البركة أو من اليمين المعادِلِ لليسار من العُضْوَيْن. ومعناه على هذا بالنسبة إلى موسى أي: الذي يَلي يمينَكَ دونَ يسارِك. والشاطىء ضفَّةُ الوادي والنهر أي حافَّتُه وطرفُه، وكذلك الشَّطُّ والسِّيْفُ والساحلُ كلُّها بمعنى. وجَمْعُ الشاطىء أشْطَاء قاله الراغب. وشاطَأْتُ فلانًا: ماشَيْتُه على الشاطىء.قوله: {فِي البقعة} متعلقٌ ب {نُوْدِيَ} أو بمحذوفٍ على أنها حالٌ من الشاطىء. وقرأ العامَّةُ بضم الباء وهي اللغةُ العاليةُ. وقرأ مَسْلَمَةُ والأشهبُ العُقيلي بفتحها. وهي لغةٌ حكاها أبو زيدٍ. قال: سَمِعْتُهم يقولون: هذه بَقْعَةٌ طيِّبةٌ.قوله: {مِنَ الشجرة} هذا بدلٌ مِنْ {شاطىء} بإعادةِ العاملِ، وهو بدلُ اشتمال.قوله: {أَن ياموسى} {أنْ} هي المفسِّرةُ. وجُوِّز فيها أَنْ تكونَ المخففةَ. واسمُها ضميرُ الشأنِ. وجملةُ النداءِ مفسِّرةٌ له. وفيه بُعدٌ.قوله: {إني أَنَا الله} العامَّةُ على الكسرِ على إضمار القولِ، أو على تضمينِ النداءِ معناه. وقُرِىء بالفتح. وفيه إشكالٌ؛ لأنه إنْ جُعِلَتْ أَنْ تفسيريةً وَجَبَ كسرُ {إِنِّي} للاستئنافِ المفسِّر للنداء بماذا كان؟ وإنْ جَعلْتَها مخففةً لَزِم تقديرُ أَنِّي بمصدرٍ، والمصدرُ مفردٌ، وضميرُ الشأن لا يُفَسَّرُ بمفردٍ. والذي ينبغي أَنْ تُخَرَّج عليه هذه القراءةُ أَنْ تكون أَنْ تفسيريةً وأني معمولةٌ لفعلٍ مضمرٍ، تقديرُه: أنْ يا موسى اعلَمْ أنِّي أنا الله.قوله: {مِنَ الرهب} متعلِّقٌ بأحدِ أربعةِ أشياء: إمَّا ب {ولى} وإمَّا ب {مُدْبِرًا} وإمَّا ب اضْمُمْ ويظهر هذا الثالث إذا فَسَّرنا الرَّهْبَ بالكُمِّ، وإمَّا بمحذوفٍ أي: [تَسْكُن] من الرَّهْب. وقرأ حفصٌ بفتح الراءِ وإسكانِ الهاء. والأخَوان وابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ بالضمِّ والإِسكان. والباقون بفتحتين. والحسن وعيسى والجحدريُّ وقتادة بضمتين. وكلُّها لغاتٌ بمعنى الخَوْفِ. وقيل: هو بفتحتين الكُمُّ بلغةِ حِمْير وحنيفة. قال الزمخشري: هو مِنْ بِدَع التفاسير قال: وليت شعري كيف صِحَّتُه في اللغةِ، وهل سُمِع من الثقاتِ الأثباتِ الذين تُرْتَضَى عربيتُهم؟ ثم ليت شعري كيف موقعُه في الآيةِ وكيف تطبيقُه المفصَّلُ كسائرِ كلماتِ التنزيل. على أنَّ موسى صلوات الله عليه ليلةَ المُناجاة ما كان عليه إلاَّ رُزْمانِقَةٌ من صوف لا كُمَّيْ لها الرُّزْمانِقَةُ: المِدْرَعَة.قال الشيخ: هذا مرويٌّ عن الأصمعي، وهو ثقةٌ سمعهم يقولون: أَعْطِني ما رَهْبِك أي: كُمِّك. وأمَّا قولُه كيف موقعُه؟ فقالوا: معناه أخرِجْ يدَك مِنْ كُمِّك قلت: كيف يَسْتقيم هذا التفسير؟ يُفَسِّرون اضْمُمْ بمعنى أَخْرِجْ.وقال الزمخشري: فإنْ قلتَ: قد جُعِل الجناحُ وهو اليدُ في أحد الموضعين مضمومًا، وفي الآخر مضمومًا إليه، وذلك قوله: {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وقوله: {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} فما التوفيقُ بينهما؟ قلت: المرادُ بالجناحِ المضمومِ [هو] اليدُ اليمنى، وبالجناح المضمومِ إليه هو اليدُ اليسرى، وكلُّ واحدةٍ مِنْ يُمْنى اليدين ويُسْراهما جناح.قوله: {فَذَانِكَ} قد تقدَّمَ قراءةُ التخفيفِ والتثقيلِ في سورة النساء وقرأ ابن مسعود وعيسى وشبل وأبو نوفل بياءٍ بعد نونٍ مكسورةٍ، وهي لغةُ هُذَيْلٍ. وقيل: تميمٌ. وروى شبل عن ابن كثير بياءٍ بعد نونٍ مفتوحةٍ. وهذا على لغةِ مَنْ يفتح نونَ التثنيةِ، كقوله: والياءُ بدلٌ من إحدى النونين كتَظَنَّيْت. وقرأ عبد الله بتشديدِ النون وياءٍ بعدها. ونُسِبَتْ لهُذَيْل. قال المهدوي: بل لغتُهم تخفيفُها. ولا أظنُّ الكسرةَ هنا إلاَّ إشباعًا كقراءةِ هشام {أَفْئِيدَةً مِّنَ الناس} [إبراهيم: 37].وذانِكَ إشارةٌ إلى العصا واليد وهما مؤنثتان، وإنما ذُكِّر ما أُشير به إليهما لتذكيرِ خبرِهما وهو برهانان، كما أنه قد يُؤَنَّثُ لتأنيثِ خبرِه كقراءة: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الأنعام: 23] فيمَنْ أََنَّثَ، ونَصَبَ {فِتْنَتَهم} وكذا قولُ الشاعر: وتقدَّم إيضاحُ هذا في الأنعام. والبُرْهان تقدَّم اشتقاقُه.وقال الزمخشري هنا: فإنْ قلتَ: لِمَ سُمِّيَتِ الحُجَّةُ بُرْهانًا؟ قلت: لبياضِها وإنارتِها، مِنْ قولِهم للمرأةِ البيضاء بَرَهْرَهَةُ بتكريرِ العين واللام. والدليلُ على زيادةِ النون قولهم: أَبْرَهَ الرجلُ إذا جاء بالبُرْهان. ونظيرُه تسميتُهم إياها سُلْطانًا، من السَّليطِ وهو الزيتُ لإِنارتِها.قوله: {إلى فِرْعَوْنَ} متعلقٌ بمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء مُرْسَلًا إلى فرعونَ وغيرُه: اذهَبْ إلى فرعون. وهذا المقدَّرُ ينبغي أن يكونَ حالًا مِنْ {برهانان} أي: مُرْسَلًا بهما إلى فرعونَ. والعاملُ في هذه الحالِ ما في اسمِ الإِشارةِ. اهـ.
اهـ.
ويقال كم قَدَمٍ وَطَئَتْ لك البقعة، ولكن لم يسمع أصحابُها بها شيئًا!.. وكم ليلةٍ جَنَّت تلك البقعة ولم يظهر من تلك النار فيها شعلة!.ويقال: شتَّان بين شجرة وشجرة؛ شجرة آدم عندها ظهور محنتِه وفتنتِه، وشجرة موسى وعندها افتتاح نُبُوَّتِه ورسالتِه!.ويقالك لم يأتِ بالتفصيل نوعُ تلك الشجرة، ولا يُدْرَى ما الذي كانت تثمره، بل هي شجرة الوصلة؛ وثمرتها القربة، وأصلُها في أرض المحبة وفَرْعُها باسِقٌ في سماء الصفوة، وأوراقها الزلفة، وأزهارها تَنْفَتِقُ عن نسيم الرَّوْح والبهجة:فلمَّا سمع موسى تغيَّر عليه الحال؛ ففي القصة: أنه غُشِي عليه، وأرسل اللَّهُ إليه الملائكة لِيُرِّوحوه بمراوح الأُنْس، وهذا كان في ابتداء الأمر، والمبتدئ مرفوقٌ به. وفي المرة الأخرى خرَّ موسى صَعِقًا، وكان يفيق والملائكة تقوله له: يا ابن الحيض. أمثالك مَنْ يسأل الرؤية؟!
|